الحمد لله القائل{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}
وبعد,
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم ايمان القلب, وأن ايمان القلب التام بدون شىء من الأعمال الظاهرة ممتنع,سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان, أو جزء من الإيمان كما تقدم بيانه"!
[مج الفتاوى:7|616] .
وقال أيضا:" فقول السلف:[الإيمان]قول وعمل ليبينوا اشتماله على الجنس , ولم يكن مقصودهم ذكر صفات الأقوال والأعمال". [مج الفتاوى:7\506].
وقال رحمه الله : " لو قدر أن قوما قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك؛ونقر بألسنتنا بالشهادتين, إلا أنا لا نطيعك فى شىء مما أمرت به ونهيت عنه..كل مسلم يعلم بالإضطرار أنه يقول لهم:أنتم أكفر الناس بما جئت به, ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك." [مج:7\287].
وقال أيضا: "فمن قال :ان الأعمال الظاهرة المأمور بها ليست من الإسلام,فقوله باطل"
[7\370]
..إلى أن قال: " بل قد أنكر أحمد هذا الجواب, وهو قول من قال:يطلق عليه الإسلام وإن لم يعمل,متابعة لحديث جبريل".
وقال أيضا : " هنا قولين متطرفين: قول من يقول :الإسلام مجرد الكلمة, والأعمال الظاهرة ليست داخلة فى مسمى الإسلام, وقول من يقول مسمى الإسلام والإيمان واحد" [7\375].
وقال أيضا: "فالإسلام" يتناول من أظهر الإسلام وليس معه شىء من الإيمان, وهو المنافق المحض, ويتناول من أظهر الإسلام مع التصديق المجمل فى الباطن ولكن لم يفعل الواجب كله لا من هذا ولا من هذا, وهم الفساق" [7\427].
وقال: " يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا" [مج:7\621].
وقال رحمه الله فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا..فإن حقيقة الدين هو الطاعة والإنقياد وذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا ومن لا دين له فهو كافر [شرح العمدة:كتاب الصلاة:86].
وقال : " اختلفوا فى تكفير من قال:ان المعرفة تنفع من غير عمل الجوارح"
[الصارم المسلول:524].
وقال فى الإصفهانية : " كان الظاهر دليلا على ايمان القلب ثبوتا وانتفاءا".
وقال رحمه الله : " وما كان فى القلب فلا بد ان يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح,وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه".
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : الإيمان له ظاهر وباطن وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته؛فلا ينفع ظاهر لاباطن له وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية ولا يجزىء باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك . فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخله من الإيمان, ونقصه دليل نقصه, وقوته دليل قوته." [الفوائد:112].
وأما قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" ليس بين فقهاء الملة نزاع فى أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرين باطنا وظاهرا بما جاء به الرسول, وما تواتر عنه انهم من أهل الوعيد, وانه يدخل النار منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله اليها, ولا يخلد منهم فيها أحد,ولا يكونون مرتدين مباحى الدماء, ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم فى النار,كالخوارج, والمعتزلة.
وقول غلاة المرجئة الذين يقولون : ما نعلم ان أحدا منهم يدخل النار؛بل نقف فى هذا كله وحكى عن بعض غلاة المرجئة الجزم بالنفى العام." [مج الفتاوى:7\297].
فهذا واضح فى أن من يعمل بعض الذنوب ويترك بعض الواجبات ينقص إيمانه ولا يخلد فى النار خلافا لما تقوله الخوارج والمرجئة وليس فيمن لم يعمل خيرا ولم يدع ذنبا وكذلك هو ليس فيمن يعمل بعض الذنوب أو يترك بعض الواجبات التى فعلها أو تركها يخرج من الإسلام.
وأما حديث لم يعملوا خيرا قط فهو فى أناس مخصوصين كما بين أهل العلم وفسره بعض العلماء بغير ذلك وكذلك حديث صاحب البطاقة.
قال الشيخ المجدد الثانى بعد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهما الله تعالى" : إذا عرفت أن كلا من الأعمال الظاهرة والباطنة من مسمى الإيمان شرعا فكل ما نقص من الأعمال التى لا يخرج نقصها من الإسلام فهو نقص فى كمال الإيمان الواجب" [مجموعة الرسائل والمسائل:2\3].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ما فى القلب مستلزم للعمل الظاهر.وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم" [7\294].
ومصداق كلام شيخ الإسلام رحمه الله فى كتاب الله كثير فهناك نحو 390 آية كلها لايذكر فى شىء منها الإيمان إلا مع العمل! فهل ينفكان..اللهم لا..لا..لا!
وقال تعالى {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}.
قال الحسن وقتادة فى الآية: لا يقبل الله قولا إلا بعمل!
وقوله تعالى {يوم يأتى بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا}
قال السدى:خيرا:عملا صالحا.فهؤلاء أهل القبلة" !
وهذا يعنى أن عدم العمل = عدم الإيمان .
قال الإمام محمد بن نصر رحمه الله": ولو أقر , ثم لم يؤدحقه, كان كمن جحده فى المعنى, إذ استويا فى الترك للأداء"
[تعظيم قدر الصلاة:517].
قال الوراق : سألت أحمد وذكر عنده المرجئة فقلت له: إنهم يقولون: إذا عرف الرجل ربه بقلبه فهو مؤمن. فقال:المرجئة لا تقول هذا بل الجهمية تقول بهذا.
المرجئة تقول حتى يتكلم بلسانه وإن لم تعمل جوارحه,وهذا كفر" رواه الخلال.
وسئل الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله: شهادة أن لاإله إلا الله هى مفتاح دين الإسلام,وأصله الأصيل؛ فهل من نطق بها فقط؛ دخل فى دائرة المسلمين؛ دون عمل؟
الجواب : من نطق بشهادة أن لاإله إلا الله حكم بإسلامه بادىء ذى بدء,وحقن دمه: فإن عمل بمقتضاها ظاهرا وباطنا؛ فهذا مسلم حقا,له البشرى فى الحياة الدنيا والآخرة. وإن عمل بمقتضاها ظاهرا فقط؛ حكم بإسلامه فى الظاهر, وعومل معاملة المسلمين, وفى الباطن هو منافق, يتولى الله حسابه.
وأما إذا لم يعمل بمقتضى لاإله إلا الله, واكتفى بمجرد النطق بها, أو عمل بخلافها؛ فإنه يحكم بردته, ويعامل معاملة المرتدين.
وإن عمل بمقتضاها فى شىء دون شىء؛ فإنه ينظر: فإن كان هذا الذى تركه يقتضى تركه الردة؛فإنه يحكم بردته, كمن ترك الصلاة متعمدا, أو صرف ِيئا من أنواع العبادة لغير الله .
وإن كان هذا الذى تركه لا يقتضى الردة؛ فإنه يعتبر مؤمنا ناقص الإيمان بحسب ما تركه؛ كأصحاب الذنوب التى هى دون الشرك.
وهذا الحكم التفصيلى جاءت به جميع الشرائع السماوية." [المنتقى:1\9].
ولا أظن أن بعد هذا التفصيل الرائع تفصيل وذلك فضل الله يؤ تيه من يشاء وفوق كل ذى علم عليم والله أعلم,وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.