طلحة بن عبيد الله
أحد العشرة المبشرين بالجنة
" من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض؛ فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله "
حديث شريف
من هو ؟
طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي المكي المدني ، أبو محمد ...
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ،
وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ،
ونصحه باتباعه ...
وعاد الى مكة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأمين ،
والرسالة التي يحملها ، فسارع الى أبي بكر فوجده الى جانب
محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا على الحق ،
فصحبه أبو بكر الى الرسول حيث أسلم
وكان من المسلمين الأوائل ...
ايمانه
لقد كان طلحة - رضي الله عنه - من أثرياء قومه ...
ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة
وشهد المشاهد كلها مع الرسول الا غزوة بدر ،
فقد ندبه النبي ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ،
وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ،
فطمأنهما النبي بأن لهما أجر المقاتلين تماما ،
وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها ... وقد سماه الرسول الكريم
يوم أحُد ( طلحة الخير ) ...
وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض ) ...
ويوم حنين ( طلحة الجود ) ...
بطولته يوم احد
في أحد ... أبصر طلحة - رضي الله عنه - جانب المعركة
الذي يقف فيه الرسول فلقيه هدفا للمشركين ،
فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله
فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول
يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول
وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر - رضي الله عنه -
عندما يذكر أحدا ( ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي
فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح
" دونكم أخاكم ... " ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة
ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه ) ...
وقد نزل قوله تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا " ...
تلا رسول الله هذه الآية أمام الصحابة الكرام ،
ثم أشار الى طلحة قائلا ( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ،
وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة ) ...
ما أجملها من بشرى لطلحة - رضي الله عنه - ، فقد علم أن الله سيحميه
من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب ...
عطائه وجوده
وهكذا عاش طلحة - رضي الله عنه - وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ،
مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ،
فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ،
فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ،
تقول زوجته سعدى بنت عوف ( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ،
فسألته ما شأنك ؟ ... فقال المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني ...
وقلت له ما عليك ، اقسمه .. فقام ودعا الناس ،
وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما ) ...
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع
وقال ( ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله ) ...
فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها
حتى أسحر وما عنده منها درهما ...
وكان - رضي الله عنه - من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ،
وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل
( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله ) ...
( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم ) ...
ويقول السائب بن زيد ( صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر
فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة ) ...
طلحة والفتنة
عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ،
ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان - رضي الله عنه - ، لا ...
لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة
هو والزبير لعلي - رضي الله عنهم جميعا - وخرجوا الى مكة معتمرين ،
ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ...
وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ... طلحة والزبير في فريق
وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي - رضي الله عنه -
عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ،
وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟) ...
ثم قال للزبير ( يا زبير نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله
ونحن بمكان كذا ، فقال لك يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟ ...
فقلت ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟ ...
فقال لك يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم ) ...
فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك ) ...
الشهادة
وأقلع طلحة و الزبير - رضي الله عنهما - عن الاشتراك في هذه الحرب ،
ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ،
فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ،
وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ...
وبعد أن انتهى علي - رضي الله عنه - من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا
( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم
( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ) ...
ثم نظر الى قبريهما وقال
( سمعت أذناي هاتان رسول الله يقول
( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة ) ...
قبر طلحة
لمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال
( ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت ) ...قالها ثلاثاً ،
فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ،
فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ،
فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة ،
وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك ...
يتبع