عبد الرحمن بن عوف
أحد العشرة المبشرين بالجنة
" يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك"
حديث شريف
من هو ؟
عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي، الصحابي الشهير،
وأحد العشرة المبشرين بالجنة وخؤولة رسول الله
ولد بعد عام الفيل بعشر سنين فهو أصغر من النبي
بعشر سنين .
وكان ابن عوف سيّد ماله ولم يكن عبده، ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه
أنه كان يقال :" أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثلث يقرضهم،
وثلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصلهم ويعطيهم".
وكان عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ،
عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ،
بل سارع الى الرسول يبايعه
وفور إسلامه حمل حظه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة
الهجرة الأولى والثانية ، كما هاجر الى المدينة مع المسلمين
وشهد المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشرين جراحا
إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعض ثناياه
فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه ...
التجارة
كان - رضي الله عنه - محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال
( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )...
وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال
ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول
بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،
فقال سعد لعبد الرحمن ( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي
فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )...
فقال عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )...
وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح ...
حق الله
كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ،
وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول يقول
يوما ( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )...
ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضا حسنا ، فيضاعفه الله له أضعافا ،
فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة
وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ، وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام
، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة ...
وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ،
وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان
نصيبا من الوصية فأخذها وقال
( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة ) ...
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل
( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث
يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم )...
وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال ...
قافلة الايمان
في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ،
لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ،
وسألت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -
( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)...
وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له
فَعَجِبَت أم المؤمنين ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)...
فقالوا لها ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )...
وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت ( أما أني سمعت رسول الله
يقول ( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )...
ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من
النبي أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة
وقال لها ( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه )...
ثم قال ( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )...
ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها ...
الخوف
وثراء عبد الرحمن - رضي الله عنه - كان مصدر إزعاج له وخوف ،
فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته
وبكى ثم قال ( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُفّن في بردة
إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ،
واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَفّن فيه إلا بردة ،
ثم بُسِطَ لنا في الدنيا ما بُسط ، وأعطينا منها ما أعطينا
وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلت لنا حسناتنا )...
كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ،
وسألوه ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)...
قال ( لقد مات رسول الله وما شبع هو وأهل بيته
من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا )...
وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل
( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم )...
الهروب من السلطة
كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى
الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا
( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )...
وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال
( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )...
وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ،
وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم
وقال له علي - كرم الله وجهه - ( لقد سمعت رسول الله
يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض )...
فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ،
ووافق الجميع على إختياره ...
وفاته
في العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه - رضي الله عنه -
وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه ،
فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول
وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ،
وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما
أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه ...
وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع
( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال ) ...
ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع
كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول
( عبد الرحمن بن عوف في الجنة ) ...
يتبع