المنهج النبوي في تشجيع الأطفال والشباب
ينطوي الإنسان على إمكاناتٍ هائلةٍ للتعلم وزيادة المعرفة والمخزون الثقافي. يقول الله تعالى : { وعلّم آدمَ الأسماء كلّها } سورة البقرة (2/31) .
ويرى بعض علماء النفس أنّ أيّ إنسان إذا استنفر نصف طاقاته العقلية, يمكن أن يتعلّم عشرين لغة, وأن يجمع بين عشر جامعات ! .
وكلُّ إنسان ينطوي على منطقةٍ وافرة الخصوبة, تنتظرُ من يزرعُ فيها فسائل الخير والفكر .
وكما تعجز المرآة عن رؤية نفسها, والوردةُ عن استنشاق عطرها, فإنّ الطفل عاجزٌ عن تلّمس طاقاته . فعلى المُربيّ أن يساعده في العثور على هذه الطاقات لتحديدِ هويّتها بدقّة, ومن ثمّ إطلاقها إلى أعلى مستويات النجاح .
وبهذا يلعبُ تشجيعُ الطفل, وإثارةُ اهتمامه, وتحفيزُه للإنجاز, دوراً مهماً في العملية التربوية .
وهذا هو منهجُ النبي صلى الله عليه وسلم في كشف الإمكانات الكامنة لدى الأطفال وتحفيزها, من ذلك أنه لما أبصرَ ملامح الذكاء المتوقّد عند زيد بن ثابت : من خلال حفظِه المتقن لسورٍ من القرآن الكريم, حضّه على تعلُّم اللغة العبرية واللغات الأجنبية . وبذا تميّز زيدٌ في أربعةِ علوم : الترجمة والقراءات و علم الفرائض وكتابة الوحي والرسائل النبوية ..
ومن منهج النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المضمار, ثناؤه على المتفوقين من أصحابه, وتقويمُهُ حتّى للانجاز اليومي ليثير عبقرية الاهتمام عند الآخرين , ففي أثناء رجوعهم من غزوة الغابة, أثنى على بطليْها قائلاً: (( خيرُ فرساننا اليوم أبو قتادة, وخيرُ رجّالتنا سلمةُ بنُ الأكوع )) تقرأ القصة الممتعة كاملة في (( صحيح مسلم )) وفي (( الرحيق المختوم )) للمباركفوري .
كما ضرب على صدر أبيّ بن كعب قائلاً : (( لِيَهنِكَ العلمُ أبا المنذر )) رواه مسلم . .
وكـان من ثنائه على المتفوقين إطلاق الألقاب عليهم, فأبو عبيدة " أمينُ الأمة ", وابن مسعود "غلامٌ معلَّمٌ, والزبير" حواريُّ الرسول" .. وهذه الألقاب بمنـزلة " شهاداتٍ نبوية " مباركة, لا نّدري كم كان فرح أصحابها بها !. نسأل الله تعالى أن يجمعنا مع أصحابها الكرام .
ومن سيرته صلى الله عليه وسلم في تشجيع الأطفال, الاستحسانُ والابتسام والجائزةُ, ومسحُ الرأس , وحتى قرْصُ الأذُن بتحبّبٍ, فقد فعل هذا مع زيد بن أرقم قائلاً : (( وفَتْ أذنُكَ يا غلام )) رواه البخاري وغيره . وسيبسط هذا المنهج النبوي في التحفيز في كتاب (( محمد والحياة )) . وذلك لما نزل القرآن مصدقاً لما أخبر زيد .
فالثناءُ إذن من أهم عوامل الإثارة, ولا بأس بأن يُسمعَ الأبُ طفلَه هذا الثناء على مقربة منه وكأنّه لا يشعرُ بوجوده, الأمر الذي يدفع الطفل لتقويم أخطائه لكي يكون أهلاً لهذا الثناء ..
وإنّ من كمالِ البرِّ تعجيله, فعلى الأب أن يثيبَ ولده إنْ أحسنَ على عجل, كما أنّ عليه إذا أخطأ ولده أن يعاقبه - إن لم يعفُ - على رَويّة..
يقول الدكتور هشام الطالب : (( تذكّروا أيها الآباءُ أنّ الدمَ الصحيّ الذي يحتاج إليه أبناؤكم هو التقديرُ والتشجيع . لا تحرموهم منه فقد يصابون بفقر الدم )) !..
إنّ كلّ طفلٍ كُتب على جبينه هذه الكلمة : (( افهموني )) , ولكنْ ماذا نصنع وكثيرٌ من الآباء أُميّون في قراءةِ الأطفال ؟! ..
فيا أَسفي على غصنٍ أخضرَ كان للثمر, فقلنا له : كنْ للحطبْ !..
ويالهفتي على زهرةٍ جميلةٍ تبتسمُ للناس ولا يلحظُها أحد !..
أيتُها الزهرةُ النضيرة : ما أنتِ في أمّتي بأوّل زهرةٍ تضيع !..
* * *